الرأي بخصوص تعديل قانون الانتخاب

إن رفع مجلس الوزراء حل مجلس ٢٠٠٩ خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، و يشكرون عليها.

إلا أن الأزمة لا تزال على صفيح ساخن في محاولات البعض للتاثير لإصدار مرسوم ضرورة لتعديل قانون الانتخابات و إعادة تشكيل الدوائر، الأمر الذي سيفتح متوالية من الأزمات ( فوق ما نحن فيه ) قد تمتد لعدة سنوات.

و لخطورة ما ستتعرض إليه البلاد من مآزق سياسية و مزيد من التشرذم و الفرقة و تعطيلاً للتنمية رأيت أن اكتب رأياً ناصحاً لعله يصيب الرشاد و يرشد القرار.

الرأي:
باختصار اري ان تعديل الدوائر بمرسوم ضرورة خطوة لا اساس لها دستوريا ولا سياسيا و لا منطقيا. و هي خطوة في غاية الخطورة و قفز بالبلد إلى هاوية الطعن و التشكيك و التفرق، إلى مازق سياسي سيصعب الخروج منه و بتكاليف وطنية (معنوية و مادية) ضخمة، و ذلك للأسباب التالية:

١- دستوريا: ما ذكر صراحة في الدستور بشان الانتخابات هو أن يصدر قانون ينظمها، و قد حصل فعلا صدور قانون صريح و صحيح و دستوري و قد توافق عليه ممثلو الشعب و الحكومة و اصدره سمو أمير البلاد، وهذا كمال التوافق والتراضي دستوريا و سياسيا و عقلا و منطقا.
و مزيدا في التأكيد جاء حكم المحكمة الدستورية مؤيدا صحة ذلك و مغلقا لكثير من إدعات و مبررات التعديل من خارج النظام الدستوري و أدواته.

٢- سياسيا: لا يكفي أن يكون الرأي و التوجه صحيح و فيه مصلحة للوطن، بل يتطلب أيضاً أن يطمئن إلى انه يمثل الغالبية من الشعب من خلال آلية متوافق عليها ( الدستور )، وإلا يملك كل ذي رأي آخر الطعن فيه و التشكيك بتمثيله للأمة.

٣- عقليا و منطقيا: الحديث عن العدالة و تكافؤ الأعداد و التمثيل النسبي ، لا وجه له، و دحضه حكم المحكمة الدستورية، حيث أن العدالة نسبية ويستحيل تساوي عدد الناخبين و لا يعرف حد للتباين القليل أو الكثير، و التقارب النسبي في الأعداد حجة معتبرة عندما يناقش المجلس توزيع الدوائر لا في حالة غيابه، و العبرة في كل الأحوال فيما يوافق عليه المجلس و يصدره سمو الأمير كما نص الدستور.
القول بالتعديل لتحقيق نسبية التمثيل قياسا علي القبائل و الطوائف، قول فاسد و يؤصل لمزيد من التشرذم و التفرقة. و هو كمن يريد أن يخصص عدد من المقعد لكل طائفة و قبيلة.
و لو قُبل هذا جدلا ( أقول جدلا ) لكان افضل لأصحاب هذا الطرح أن يقترحوا تقسيم مقاعد المجلس علي شكل حصص لكل طائفة و قبيلة بما يناسب أعدادها بالنسبة و التناسب و تكون الانتخابات فئوية كلٍ فيما بين أفراده لشغل مقاعده.
و هذا تفكير منحرف و يسوُق البلاد إلى منحدر سحيق في التفرق و الاختلاف و يعاكس السياسة الراشدة التي تعمل علي احتواء الجميع و زرع معاني الحب و التعاون و الثقة بين افراد الشعب و الذوبان في بوتقة الوطن.

و لا وجه و لا حجة في الضرورة ايضا و ذلك لغيابها أصلا ، و أي تصرف في هذا الاتجاه لابد و أن يفسر على انه محاولة للتأثير على نتائج الانتخابات.

كما أن مختلف الآراء و الحجج ( العدالة و المساواة و التمثيل الصحيح … الخ ) لا يعدو أن يكون رأي قد يتفق عليه أو يختلف معه و لا توجد آلية ( في غياب المجلس ) للاتفاق على شيئ أو حتى مناقشته فضلا عن إقراره.
و استغلال غياب المجلس في تغيير الأسس الانتخابية بشكل منفرد هو استبداد بالرأي و إستفراد بالسلطة و إتباع للهوى.

ان لكل فكر أو كتلة أو طائفة أو قبيلة أو حتى الأفراد أو الجماعات، لكلٍ منهم قواعد و مؤيدين و يرغب كلٍ منهم التأثير على القرار بما يخدم مصالحه في زيادة حصته بالمجلس. و يستخدم كلٍ منهم مختلف الحجج ( النبيلة ) لتحقيق مأربه الخاصة.
فما مصلحة الاستجابة لهم على حساب القاعدة الأكبر لسمو الأمير و هم الشعب الكويتي بمختلف اطيافه و توجهاته؟

بشكلٍ عام، إن من اهم مقومات الحكم و إستدامته أن يكون هو العنصر الذي تجتمع عليه الناس حباًًًًَ و ثقةً و موالاة ليكون للجميع و علي مسافة متساوية من الجميع . و هذا يتطلب اولا تحقيق العدالة بدقائقها و المساواة بتفاصيلها و تكافؤ الفرص واقعا و سيادة القانون على الجميع بلا استثناء و احترام الدستور دون افراط ولا تعسف و أن يكون الحاكم حَكَماً لا خصما. فما المصلحة المحققة في نقض كل هذا من اجل إرضاء هذا أو ذاك.

أخيرا أقول أن تعديل الدوائر لا يعدو أن يكون هوى لدى البعض و معركتهم الخاصة، و يستدرجون السلطة لأن تقاتل لهم معاركهم، فان انتصرت جمعوا الغنائم دونها، و إن انهزمت، انهزمت وحدها ولسان حالهم يقول: ( قد انعم الله علي إذ لم اكن معهم شهيدا).

المخرج:
١- الإبقاء علي الدوائر كما هي لتحصّنها بالقانون و الدستور و حكم المحكمة الدستورية و للأسباب الدستورية و السياسية و العقلية آنفة الذكر.
٢- الاستسلام إلى أن المجلس هو انعكاس للشعب و يمثله بحلوه و مره وفق الدستور المتوافق عليه. و أن تعديل الدوائر بأي اتجاه سيكون تأثيره هامشي و يبقي التأثير الأكبر في ممارسة الحكومة و السلطة و النواب في تحقيق آمال الشعب و تطلعاته.
٣- تجاوز فكرة أن المجلس المبطل و أغلبيته هي نتاج النظام الانتخابي فحسب و الاعتقاد أن التعديل يؤدي الي مجلس افضل.
و الواقع يشير إلى أن المؤثر الأكبر هو في الممارسة من كل الأطراف و خصوصا ممارسات الحكومة الخاطئة و التي تصب في معظم الأحيان مكاسب أكبر لمن يتصدي للحكومة أكثر.
فكثير من غالبية ٢٠١٢ نجحوا بسبب فشل حكومي في تحقيق آمال الشعب او الاستبداد باستخدام السلطة و المال العام و التنفيع و شراء الضمائرأو تصرف ساذج مثل:
-- الشعور السائد عند كثير من الناخبين بسوء أداء رئيس الوزراء السابق، فلا هو قاد البلد للتنمية و لا حافظ علي أموالها بل سخرت ( فيما يُدّعى في العلن و لم يُنفى ) لشراء ضمائر النواب و ولائهم و توزيع العطايا للمقربين و غيرها و ما قابلها من عدم المسائلة ولا التحقيق و لا الملاحقة … مثل هذه التصرفات تخلق ردة فعل شعبية كبيرة تصب في صالح من يتصدي لهذه الممارسات و أن كان بعض هذا التصدي بهدف التكسب الانتخابي.
-- بعض النواب وصل للمجلس بكفاءة حكومية عالية، كالذي اعتقل ثم أطلق قبيل الانتخابات و الذي سُحل و الذين فتحت لهم أبواب التعيين و الترقيات و العلاج بالخارج و منحوا المزارع و الجواخير و البعثات الدراسية و التفرغ و الندب و التقاعد الطبي و شهادة معاق … الخ. كل هذا كفيل في أن يكسبوا عشرات الآلاف من الأصوات. فمن أعطاهم هذا الدعم؟

للتوضيح أنا لا ادعوا الي شراء ضمائر النواب بأي شكل من الأشكال و لا استخدام المال العام و السلطة لتوصيل مؤيدين أو أبعاد معارضين، بل أدعو إلى اعتزال السلطة لكل أشكال التأثير و أن وجود مجلس حر يمثل الشعب بحلوه و مره هو الذي في صالح الوطن في تأييده و معارضته.

-- فشل الحكومة في تحقيق التنمية و حل أزمات تتصل بمعيشة الشعب كالاسكان و الصحة و التعليم و فرص العمل علي مدى عشرات السنين . كما فشلت في تحقيق استتباب القانون و احترامه و فرض هيبته و تحقيق العدالة و المساواة. كل هذا صب في خانة معارضي الحكومة.

-- توجه الحكومة لحل مشاكلها عن طريق المال العام كالاستجابة للمطالبات المفرطة لزيادة الرواتب، الأمر الذي أرضى فئة و أسخط فئات. و لقد استطاع بعض نواب المعارضة (بحِرَفية) ركوب موجة كل الفئات و حصد مزيد من الاصوات على ظهر الحكومة.
ضف الي ذلك ما يشاع من دعم مالي سخي لأجهزة إعلامية فاسدة تشغيلاً و تسكيتاً و توجيهاً و شراءً بهدف النفخ في نار الفتنة.

و لتعلم الحكومة ان العدل هو اساس الملك وهو الذي يفرض احترام و التزام و رضا الجميع، أما شراء الضمائر فهو يرضى القلة و يسخط الكثرة و يشجع على امتهان الأزمات و استمرارها و تشجيعها بغرض مزيد من التحصيل و رفع الثمن.

٤- للحكومة عند انعقاد المجلس طرح ما تشاء لتعديل الدوائر أو قانون الانتخاب، فهي لا تحتاج إلا إلى ١٧ صوت من النواب المنتخبين ، أي ثلث المجلس تقريبا. و أي مشروع قانون جيد المحتوي و مقنع العرض و متمكن الدفاع كفيل باستقطاب ثلث المجلس على الأقل.

٥- علي الحكومة أن توسع دائرة التفكير التقليدية في أسباب الفشل المتكرر في معالجة مختلف القضايا السياسية و الادارية و الاقتصادية. و تفكر متجاوزة اتهام الغير ( كالعادة ) إلى اتهام النفس للوقوف علي الاسباب الحقيقية رغم مرارتها و معالجتها من جذورها. و تقيم الذات من أجهزة مقربة و مستشارين و مقربين بماذا أشاروا و ماذا نصحوا و ماذا كانت النتيجة.
فتكرار المحاولة بنفس معطيات الفشل حتما مآله إلى فشل.

هذا و بالله التوفيق،

و الحمدلله رب العالمين

عادل خالد الصبيح

Reply · Report Post