√√ شخصيات من التاريخ العماني (9):

( الامام محمد بن عبدالله الخليلي رحمه الله )

" إن ديني الاسلام ورأيي رأي المسلمين ومذهبي مذهبهم , لا بل مذهبي محمدي "

** نسب الإمام :

هو العلامة المحقق محمد بن عبدالله ابن المحقق سعيد بن خلفان بن أحمد بن صالح بن أحمد بن عامر بن ناصر بن عامر بن بوسالم بن أحمد من نسل الإمام الخليل بن عبدالله بن عمر بن محمد بن الإمام الخليل بن العلامة شاذان بن الإمام الصلت بن مالك بن بلعرب الخروصي .


** مولد الإمام ونشأته :

ولد الإمام محمد بن عبدالله الخليلي بولاية سمائل، ويقال كان مولده في قرية سحراء في سنة 1299 للهجرة، ونشأ في بادئ الأمر في حجر أبيه العلامة عبدالله بن سعيد بعلاية سمائل ثم انتقل بعد ذلك إلى وادي محرم وعاش فيه حتى بويع بالإمامة، ولا يزال منزله قائماً حتى الآن بوادي محرم. وأما عن نشأة الإمام العلمية فقد كان جده المحقق الخليلي وزيراً لإمامة عزان بن قيس رحمه الله، وكان من أهل الحل والعقد فقد كان يطلب المعالي وكثير الخلوة والتبتل والتلاوة، ومن هنا أثر ذلك في نشأة والده عبدالله وعمه أحمد، فقد كان والده عالماً جليلاً كثير الإطلاع على فنون العلم كثير قيام الليل، وهو الأمير والسيد المطلق في وادي سمائل وتولى شؤون قبيلة بني رواحه، كما أنه كان عالماً بفنون الأدب واتسم بعبقريته الشعرية وله ديوان ضخم في الحماسة والفخر والغزل ، لكن يذكر أن ابنه الإمام محمد مزق هذا الديوان ولم يبق منه سوى ما تداولته ألسن الناس. بالإضافة إلى أنه تأثر في نشأته بعمه العلامة أحمد فقد كان فقيهاً ورعاً عليه مدار الفتايا والقضاء بوادي سمائل وله أجوبة مسائل نظماً ونثراً، وكان شهماً جريئاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في وقت الكتمان ولا يرد أمره. ويتصل نسب أسرة الإمام محمد الخليلي بالإمام الخليل بن العلامة شاذان بن الإمام الصلت بن مالك، ومن ذلك يتضح أن الإمام محمد بن عبدالله قد نشأ في أسرة علمية وتولت مناصب في عهد الأئمة، وتجلى مكانته العلمية والفقهية والأدبية عند جده وأبيه وعمه أحمد، كما كانت لآبائه الرئاسة على بني رواحه ومن تبعهم من قبائل عمان، كل هذه العوامل وغيرها أسهمت في نشأة الإمام الخليلي نشأة طيبة قادرة على قيادة الأمة الإسلامية واتضح ذلك جلياً في إمامته لأهل عمان


** علوم ومشايخ الإمام :

تعلم الإمام النحو على يد الشيخ محمد بن عامر الطيواني، وكان يجلسه للمذاكرة البحر الأسود الشيخ عبيد بن فرحان والشيخ العلامة حمد بن عبيد السليمي، ويناظرهم الشيخ أبو وسيم خميس بن سليم الأزكوي، وأما عن فنون العلم فقد درسها على عمه الشيخ العلامة أحمد بن سعيد وأبيه الشيخ العالم عبدالله بن سعيد آل الخليل، ومن ذلك يظهر لنا أن الإمام تلقى علوم اللغة العربية والعلوم الفقهية ومختلف فروع العلم منذ طفولته واهتمامه بها مواظباً على مجالسة العلماء، ثم هاجر بعد ذلك إلى شرقية عمان لدراسة العلوم فقرأ على نور الدين السالمي التفسير والحديث والأصول وفنون العلم، وبذلك أصبح علماً من الأعلام وحجة في المعقول والمنقول والمنثور والمنظوم. ومن مشايخ الإمام أيضاً كما ورد على لسان حال علي بن خلفان الرواحي أحد عساكر الإمام الشيخ عامر بن خميس المالكي والشيخ المعلم حامد بن ناصر بن وجد الشكيلي.



** صفات الامام واخلاقه

من صفات الإمام الخلِقية أبيض اللون، وحسن الخلق ونحيف البنية، وطويل القامة متوسط حجم اللحية ليست طويلة ولا قصيرة، واسع العينين يمشي مسرعاً مرتدياً بالسكينة، وأما عن أخلاقه فقد كان شديد الفراسة ينظر بنور الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" ، كما أنه بعيد الصلف وبعيد الغضب إلا إذا انتهكت محارم الله واسع الصدر، دائم الفكر وحمول للأذى، أكثر دهره صامتاً إذا تكلم تكلم بعلم وإذا سكت سكت عن أدب، وقد كان كثيراً ما يفاجئ من أراد مناجاته أو تكليمه بين الناس بالمعنى الذي جاء من أجله بعبارة وجيزة لا يحسنها الزائر ليعرب له عن قصده، بالإضافة إلى أن بعض الوفود يرتج عليه أن ينطق بشيء يباسط الناس الخاصة والعامة، ويقصص لهم القصص الدينية والآداب الدنيوية، ولا يرد سائلاً ولا مسترفداً ويسلي الموجع ولا يملك ما بيده أكرم أهل زمانه، ويخالط الناس جميعهم ويباسطهم ويعلمهم أمر دينهم ودنياهم يقضي نهاره في خدمة المسلمين، ويقضي حاجة كل إنسان بغض النظر عن سنه وجنسه، كما يقوم في بعض الأحيان بمعالجة بعض المرضى الضعفاء، ويتولى كل أمور المسلمين حتى بروات الطعام لدواب الضيوف ودواب الدولة، فقد ملك الناس بالمحبة والسياسة واللين وطيب الخلق لا بالقوة والجبروت. كما أن من صفات الإمام أنه يتلمس العذر لرعيته وإخوانه والتخلص له من العثرة، كما، أنه لا يشتكي لأحداً وجعاً، ولا ينتقم من عدوه وذلك لسماحة الإسلام ولمقدرته على العفو كما ورد في القرآن الكريم، كما أنه لا يغفل عن الولي سواء أكان في الشدة أو الرخاء، واتسم بسمة الإيثار والبعد عن التبرم والضجر، ورحابة وسعة صدره لجميع شكاوي رعيته ولما يحدث لهم من الكوارث، ومن هنا يمكن القول بأن سيرة الإمام كانت تسير على نهج كتاب الله وسنة نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم.



** زهد الامام والروعة :

كان الإمام محمد بن عبدالله الخليلي قبل ارتقائه عرش الإمامة في رغد من العيش حيث كان غنياً، متأنقاً في اللباس والمأكل والمشرب، ذلك لأنه ورث عن آبائه ثروة كبيرة فباع أصولها بمائة ألف قرش وخمسين ألف قرش صرف عمان (أي عبارة عن خمسمائة ألف روبية وخمسة وعشرين ألف روبية هندية)، ولما تولى أمر المسلمين رغب عن ذلك كله إلى الزهد والتواضع فأنفق جميع ماله في سبيل الله ولخدمة المسلمين، ومضي رضي الله عنه في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة خلفائه الراشدين وأصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاه، وليس هذا فحسب بل كان يصوم الأيام والليل ويفطر على التمر والسمك اليابس (العوال) فقد كان كثير صيام التطوع، وظل كذلك حتى ابتلاه الله بضعف البصر لكثرة صيامه وتقشفه في المعيشة، وبقي خمسة أشهر مكفوفاً وتطلب ذلك إحضار الطبيب من مسقط لعلاجه فلبى دعوته فعالجه فأبصر من إحدى عينيه وذلك بفضل الله سبحانه وتعالى.



** مبايعة الإمام محمد بالإمامة :

بويع الإمام محمد بن عبدالله الخليلي في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر ذي القعدة سنة 1338هجرية، حيث اجتمع العلماء والأعيان ومشايخ القبائل وأهل الحل والعقد بجامع نزوى وأجمعوا على مبايعته، وذلك بعد استشهاد الإمام سالم بن راشد الخروصي بثلاثة أيام، وقد امتنع في بادئ الأمر عن قبول أمرهم لكن إصرارهم على مبايعته بالإمامة قبل تولي أمر المسلمين، ويتضح ذلك في أنه لم يأخذوا عليه عهداً ولا شرطاً، كما أنه حظي الإمام رحمه الله بالثقة المطلقة وكان أعلم الجماعة معه، بينما كان على رأس المبايعين الشيخ العلامة رئيس القضاة أبومالك عامر بن خميس المالكي وهو أحد العاقدين الإمامة على الإمام سالم بن راشد الخروصي، ثم الشيخ العلامة ماجد بن خميس العبري وقد أدرك هذا الشيخ الإمامين عزان بن قيس وسالم بن راشد وبايعهم وعمل لهم، ثم الشيخ الزاهد أبوزيد عبدالله بن محمد بن رزيق الريامي وهو أحد العاقدين على الإمام سالم بن راشد ثم الشيخ الأمير العالم عيسى بن صالح الحارثي، ثم الشيخ العالم محمد بن سالم الرقيشي ثم الشيخ أبوعلي سيف بن علي بن عامر المسكري ثم الشيخ حمدان بن سليمان بن سيف النبهاني ثم الشيخ مهنا بن حمد بن محسن العبري، ثم الشيخ العلامة إبرهيم بن سعيد بن محسن العبري ثم الأشياخ العباهل الأوتاد أولاد هلال بن زاهر الهنائي، ثم بقية العلماء والقضاة ثم الأمراء والرؤساء ثم الخاصة ثم العامة، وبعد أن انتهت البيعة قام العلامة أبومالك فخطب في الناس خطبة العقد ثم قام أبو زيد فخطب في العسكر، وبعد انتهاء الخطبتين انفض المجلس دخل الإمام دار الإمامة حيث فتحت له الأبواب واستبشر الناس بهذا الإمام، وكعادة تولي الأئمة المسلمين الإمارة يقومون بإلقاء الخطب بعد المبايعة.


** بعض تلاميذ الإمام محمد :

كثيرون, نذكر منهم : الشيخ سيف بن محمد الفارسي من فنجاء، والشيخ خالد بن مهنا البطاشي والقاضي الشيخ شامس بن محمد البطاشي، والشيخ جابر ابن علي المسكري، والشيخ سعيد بن حمد الحارثي، والشيخ سالم بن قصور الراشدي والشيخ يحي بن سفيان الراشدي، والشيخ محمد بن سالم والشيخ ناصر بن سالم، والشيخ حمود بن عبدالله الراشدي والشيخ سعود بن سليمان الكندي والشيخ موسى بن سالم الرواحي وغيرهم.



** وفاة الإمام :

توفي الإمام محمد بن عبدالله الخليلي في يوم الإثنين التاسع والعشرين من شعبان سنة 1373للهجرة / 1954م، هاجرت الروح الطاهرة إلى ربها، وعند وفاته جمع إخوانه العلماء فقال في جملة وصيته بعد الشهادتين " إن ديني الاسلام ورأيي رأي المسلمين ومذهبي مذهبهم ثم قال لا بل مذهبي محمدي " يعني أنه مجتهد في الرأي غير مقلد لمن سبقه من العلماء إلا ما يراه حقا.
لقد توفي العالم والإمام الجليل عن عمر يناهز الرابع والسبعين، ودهش الناس لوفاة الإمام وتجمع جمع غفير من المواطنين لم يتسع المكان لهم، ولما فرغوا من غسله كفنوه وجهزوه، وعقدوا الإمامة في ذلك الحين للإمام غالب بن علي الهنائي، حيث وضع الإمام محمد رحمة الله عليه وثيقة قرأها الشيخ سفيان عين فيها الإمام غالب، وتم مبايعة الإمام من قبل الحاضرين، وصلى على الإمام باعتباره إماماً للمسلمين تحت أشجار الغاف هناك في نزوى، ويروي البعض أن الطيب كان ينفح من قبره. رحم الله تلك الأبدان وأسكن أرواحهم الجنان..

Reply · Report Post