حول علاقة الماركسية بالداروينية


لاشك أن الماركسية في عصرها الأول قد استدعت الداروينية كإطار "علمي" مساند للأطروحات التفسيرية التي قدمتها الماركسية كحلول لفهم التاريخ.
لكن الذي يحتاج لوقفة صارمة و دقيقة هو القدر الذي اعتمدت عليه الماركسية من الداروينية في صياغة تلك الأطروحات.
فالحقيقة - و على عكس الشائع - أن الماركسية قد نشأت كفلسفة مستقلة بذاتها عن الداروينية ، بل إن الداروينية قد تم استدعاءها للإطار الماركسي في وقت متأخر نسبياً ، فإن كتاب داروين "أصل الأنواع" قد نشر في 1859 ، و أول دليل على إعجاب ماركس بفكرة الانتخاب الطبيعي قد جاء في رسالة كتبها ماركس إلى إنجلز في عام 1860 ، و الحقيقة أن الماركسية كانت قد تبلورت قبل ذلك بوقت ليس بالقصير منذ أن كان ماركس رئيس تحرير صحيفة "Rheinische Zeitung" في كولونيا عام 1843 ، إلى تاريخ صدور "البيان الشيوعي" في 1848 والذي تلاه عدد من المحاضرات و الكتابات عن الاقتصاد السياسي و صراع الطبقات و الجدلية المادية والتي ألقاها و ألفها ماركس و إنجلز في عدد كبير من أنشطتهما في مختلف البلدان الأوروبية و خصوصاً مقالاته في جريدة The New York Daily Tribune التي قدمت الماركسية بقوة إلى القارئ الأمريكي في عام 1853...
لذلك أقول : أنه على الرغم من أن ماركسية القرن التاسع عشر و تطبيقها السوفيتي في القرن العشرين تتمتعان بصلة قوية مع الداروينية ، إلا أن تلك الصلة ليست أصولية و لا حتمية ، بمعنى أن الماركسية لا تحتاج للداروينية لكي تبقى كإطار فلسفي تفسيري مستقل للتاريخ و نسق من الأدوات و الأفكار التي تواجه الرأسمالية الاحتكارية بتجلياتها المتنوعة ، وبمعنى أننا في القرن الحادي و العشرين نستطيع - وبسهولة - تحرير الماركسية من التأثيرات الداروينية التي باتت أشبه ما تكون بميتافيزيقا قروسطية ، و كذلك تحرير الماركسية من الحتمية الفيزيائية التي تلاشت مع انقضاء النصف الأول من القرن العشرين.

Reply · Report Post